بنكيران.. فاقد الشيء هل يعطيه؟



 بنكيران  .. فاقد الشيء .. هل  يعطيه ؟  
 بقلم : يوسف عشي

في زمن الثورات أتى.. وفي أيام الربيع انبرى.. قال أنا.. قال أنا.. من غيري يرجع للبلاد هدوءها؟ من غيري يوقف لعنة الحياة وشظفها.. من غيري ينقذ البلاد والعباد وينهي زمن حكومات الفساد.. قال أنا.. قال أنا. قيل إسلامي، أجاب أجل.. لكني معتدل. قيل محافظ قال نعم.. لكني للتحالف مع اليسار أقبل. من يقلب البيضة ويبَيّضُ صفارها؟.. ومن يؤمّن الدجاجة حتى لو أوذي صغارها؟.. قال أنا.. قال أنا.. من ينتصر للضعيف؟ ومن يصد جبروت العتي؟ ويدعم عود الديمقراطية الفتي؟..
قال أنا.. قال أنا..
 من هو هذا الأنا.. أليس ذاك الذي يصنف كإسلامي؟.. ذاك الذي ترأس نتائج انتخابات البرلمان المغربي؟.. أليس ذاك الذي استند على المطلب الشعبي؟.. أليس ذاك الذي تعهد وقال سأفضح المشهد وإن وجدت الفساد سأطلع عليه العباد؟ أليس ذاك المغوار الذي يواجه العفاريت والتماسيح ليل نهار؟.. حتى بات اسمه أكثر اسم وزير أول تتداوله الحناجر.. ويسب بأمازيغية وعرب اللسان.. أليس هو بنكيران؟
لكن مهلا.. ما جناه الرجل لتثار أمامه صيحات الاستهجان؟ وربما السب والشتم لمن مقامه يستوجب صون اللسان؟..  تجيبنا الوقائع بما لم يكن لدى المواطن أبدا في الحسبان.. ذاك المغربي المنهوك القوى من وعثاء الفقر والفاقة وقلة ذات اليد والبطالة والجهل، وربما حتى ضعف الإيمان. لأنه اليوم أكثر قربا بالكفر ببنكيران..
صَوّت المغاربة بسخاء ورفعوا فوق الأحزاب حزب الإسلاميين آملين حقا في العدالة والتنمية.. ولم تكن لديهم قطعا سوء نية.. الحزب سليل حركة إسلامية وقريبٌ كل القرب من الجماهير الشعبية.. وكيف لا وهو أكثر الأحزاب التصاقا بالضعفاء والمساكين.. لكن يبدو أن أملهم سيخيب للمرة الثانية.. فتاريخيًا، جرب المغاربة أول حكومة يسارية سميت حين ذاك بحكومة التناوب. لكن دون تناوب، إذ تلتها حكومة تكنوقراط.. وكان أمل المواطنين عظيما عظم خيبتهم وأفول نجم من كانوا أقوى المعارضين والمنحازين لقوى الشعب.. فما لبث الشعب أن تقلص عند أولائك في شعب اليسار.. كانت تلك الخيبة الأولى .. أما الثانية فستحملها الحكومة الملتحية.. وربما تكون خيبة لكن بحسن نية..
انتظر المغاربة الوعود الاجتماعية والاقتصادية والعدلية والتعليمية والصحية.. لكنهم تلقوا الصفعات الاستهلاكية الزيتية والسكرية والبترولية وما أدراك ما البترولية.. ففي الوقت الذي تأمل المواطن خيرا في إصلاح الميادين السالفة الذكر.. إذا بالحكومة المرتقبة اجتماعيا وشعبويا  تصاب بالسُّعار وتنهال عليه بالزيادات في الأسعار.. والعذر وما أدراك ما العذر.. "عذر أقبح من ذنب" إذ تطلع علينا رؤوس الحكومة وحلفائها.. وعوض الحديث عن إصلاح ميادين العدل والصحة والتعليم والتشغيل.. يتحدثون عن إصلاح صندوق المقاصة والصندوق المغربي للتقاعد وو.. وكأن الإصلاح لا يصلح إلا في الصناديق .. وكأن "ضريبة الإصلاح" لا يمكن أن تؤدى إلا من جيب المواطن.. ولسان حال الحكومة يقول: "بعد الزيادة في فواتير الماء والكهرباء، أعذرونا إذا لم نبع لكم  أيضا الهواء.. فالبلاد في أزمة مالية مثلما العالم، والسيولة المالية المتوفرة لدى الحكومة غير كافية".. إذن أيها المغاربة المساكين الذين كنا نعدكم  بالتوسعة عليكم وإصلاح أحوالكم.. أيها المواطنون الذين تعانون من أزمة خانقة في التشغيل وتجمعكم العطالة والبطالة.. أيها المواطنون الذين انمحت من بين طبقَتَيْكم، الطبقة الوسطى واندحرت إلى الدركات السفلى.. أيها المواطنون الذين حُدد الحد أدنى في أجوركم في أقل من ألفي درهم ويا ليته يحترم.. أيها المغاربة الموظفين الذين انتشرت بينكم سوسة القروض البنكية كالنار في الهشيم، دون أن نترك لكم منفذا للبنوك الإسلامية المحرمة في البلد مسلم تحكمه حكومة إسلامية !. أيها المواطنون: لا تنتظروا دَعمنا فنحن من يطلب دعمكُم.. ولله ذر من قال "فاقد الشيء لا يعطيه" ولله ذر الحكومة وواقع حالها يقول: ليس لدينا ما نعطيكم.
وفق هذا المنطق تتحول المواطنة إلى عبئ إضافي  يضاف إلى كاهل المواطن، ويصبح ثمن المواطنة غاليا.. فقدر المواطن في هذا الزمن أصبح هو الدولة: يتحمل سنوات جمرها ورصاصها، يؤدي ضرائبها بأنواعها وألوانها، و يصلح صناديقها بدل من سرقوها، لأن رئيس حكومتهم الرؤوف قال للفاسدين ولصوص المال العام "عفا الله عما سلف".. ورغم أن اسم حزبه الذي يكنى بالعدالة لا يذكره أن العدل أساس الحكم.. وكأنه، وهو الآتي من بيئة إسلامية محافظة لا يحفظ كلام رب العالمين الذي يقول:{ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب} فربما لا يصنف هو المواطنين ضمن قائمة أولي الأباب.. وربما استمرأ لنفسه التعامل مع الشعب فقط بمنطق الرعية، التي سلمت أعناقها للراعي، وليفعل ما يشاء بالقطيع !
وفق منطق ثاني الحاكمَيْن في المغرب لا بديل عن الإصلاح.. حتى لو كان على حساب جيوب المواطنين.. فإنجاح الحكومة أهم من رعاية شؤون المواطنين وقضاء مصالحهم.. ويبدو أن من تصدر المشهد السياسي وهو يعرف حق المعرفة وضعية البلاد ثم قال أنا.. أنا من يصلح للبلد، نسي أو تناسى أن أعظم مجد سياسي لن يساوي لحظة انكسار وشعور بالغبن لدى أبسط مواطن.. ونسي وهو يرى الأخبار تقدم للمواطنين أنباء الزيادة -لا في الأجور التي توسع على الناس- بل بدل ذلك الزيادة في الأسعار.. ويبدو أن السيد عبد الإله بنكيران يحب تحطيم الأرقام، فهو يتزعم أول حزب إسلامي يرأس الحكومة ويستلم الحكم وهو أيضا رئيس الحكومة التي ترفع الأسعار (كما هو الحال في المحروقات) في ظرف أقل من سنتين مرتين.. وقبلها المواد الأساسية، والماء والكهرباء، ومؤخرا الألبان وها هو خبر يميط اللثام عن المحروقات في تحرير جزئي للأسعار.. والحبل على الجرار..


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس